طموحات أقرب من الواقع/ الاستاذ الدكتور مهدي صالح دواي
ا.د مهدي صالح دواي
تتعلق القضية هنا بمؤشرات البحث العلمي والتطوير المعرفي ، فاذا كان المضمون ليس بالجديد ، فأن ما أستجد هو ان المعرفة أصبحت محورا" للاقتصاد المعاصر ، فالقيم المضافة للناتج المحلي الاجمالي باتت ترتكز على وفورات الابتكار والابداع وتوطين التكنولوجيات المعاصرة ، وجميعها ترتكز على مستويات التهيؤ الخاص لراس المال البشري وليس المادي ( كما كان بالأمس ) ، اذن فعناصر السبق سوف تستند على انشطة البحث والتطوير كأولوية وطنية ، وعلى راس تلك المؤشرات ، الانفاق على فعاليات البحث العلمي والتطوير التقاني ، فاذا كانت الخيارات سابقا" تراهن على الميزات المطلقة والنسبية في امتلاك الثروات المادية ، فان عالم اليوم يتفوق فيه من يملك المعلومة ويوظفها اقتصاديا" ، فهي الثروة المتجددة على الدوام .
ومبعث هذا الطرح المعاصر يكمن في تواضع ما مخصص من انفاق على انشطة البحث والتطوير في الدول العربية ، ومنها العراق ، فوفقا" لتقارير دولية ومرجعيات اليونسكو ، فأن الانفاق العربي على هذا القطاع – كمعدل – يتراوح بين ( 0,1 الى 1,0%) من الناتج المحلي الاجمالي ، في حين أن المتوسط العالمي للأنفاق لدى الدول المتقدمة كان بحدود ( 2,5%) ، كما نجد ان اسرائيل تنفق ما نسبته ( 4,7%) من ناتجها على انشطة البحث والتطوير ، وبالنتيجة فأن أنفاق الدول العربية ( مجتمعة ) على البحث والتطوير يعادل تقريبا" نصف ما تنفقه اسرائيل على نفس القطاع ، على الرغم من ان الناتج القومي العربي يبلغ ( 11) ضعفا" مقارنة" بالناتج القومي الاسرائيلي ،وبمساحة تشكل(649) ضعفا" ، وبهذا الاداء أحتلت اسرائيل المرتبة الاولى عالميا" من نصيب الفرد من الانفاق على البحث والتطوير تليها الولايات المتحدة ثم اليابان ، اذ بلغ نصيب الفرد الاسرائيلي ( 1272 ) دولار سنويا" ، بينما نصيب الفرد العربي كان ( 11,9) دولار في السنة .
وبعيدا" عن تشاؤميات الارقام والنسب المئوية المتدنية ، فأن الارتقاء بأنشطة البحث العلمي في العراق بات استحقاقا" مصيريا" في ظل الخصوصية الريعية للاقتصاد العراقي ، والحاجة لانطلاقة واعدة اعتمادا" على مقومات بشرية وتقنية اكثر استجابة لمتطلبات الاقتصاد المعرفي ، عليه يمكن التعاطي مع الموضوع وفقا" للحلول الاتية :
حلول فلسفية
ان الرصد التاريخي لمسيرة البحث العلمي في العراق يؤكد لنا تفرد الدولة في دعم انشطة البحث العلمي تماشا" مع الفلسفة الاقتصادية القائمة على سيادة القطاع العام والتخطيط والتنفيذ المركزيين ، اذ تحملت الحكومة ما نسبته ( 90%) من الانفاق على انشطة البحث العلمي ، وعلى الرغم من مبررات هذا النمط الانفاقي في الزمن المبكر للاستقلال الوطني ، الا ان استمراره لعقود ابقاه انفاقا" نمطيا" مكبلا" بالتعقيدات الادارية ، واحيانا" كثيرة اصطبغ بصفة الانفاق الترفي ، وقد كان لظروف الحصار والحروب اثارها السلبية في تقنين الانفاق بالتزامن مع ظاهرة هجرة الادمغة الى الخارج .
ومن هذا المنطلق فأن حلولا" تقليدية ستعجز عن معالجة هذه الاشكالية ، اذ يقع على الدولة حاليا" تامين التشريعات والمنظومات الداعمة لأدوار حقيقية للقطاع الخاص ، بهدف تهيئة بيئات هي الاخرى حقيقية لدعم أنشطة البحث العلمي ، فبدون الاحساس بالحاجة المادية لمخرجات البحث العلمي ، فان النتائج النظرية لها ستبقى أقل قدرة على مواصلة الابداع والابتكار ، فما نعانيه هو سعة الفجوة ما بين التنظير والتطبيق ، لذا فالحلول ينبغي ان تمس فلسفة النظام الاقتصادي باعتباره الميدان الارحب والاجدى لما نبتكره من أفكار .