ما بعد كورونا… اليوان الصيني يستعيد ثقة الاقتصاد العالمي
م.د. ضياء حسين سعود
منذ عام 2009، انتهجت بكين سياسة جديدة تسعى من خلالها لتقليل اعتمادها على الدولار في معاملاتها التجارية، مع تسوية أكبر قدر من بضائعها في الأسواق الخارجية من خلال عملتها المحلية، بالإضافة إلى الدخول في خطوط ائتمان متبادلة مع العديد من البنوك المركزية حول العالم ، وبدا أن الأمر يؤتي أكله إذ ارتفع حجم البضائع الصينية المصدرة إلى الأسواق الخارجية، والتي تجري تسويتها باستخدام العملة الصينية من 10٪ في عام 2012 إلى مستويات اقتربت من 30٪ في عام 2015 ، أذ أن الخطوات التي يتخذها المركزي الصيني في الوقت الحالي لتهيئة البنية التحتية الداخلية لاستخدام اليوان ، تتزامن أيضا مع خطوات خارجية بالتواصل مع البنوك المركزية في دول عدة على غرار الإمارات وتايلاند، لإتاحة استخدام عملتها في المعاملات على نطاق أوسع ، ولا يقتصر الأمر على البنوك المركزية ، إذ يعمل بنك الشعب الصيني على التواصل مع شركات المدفوعات وبنك التسويات الدولي من أجل تحقيق هدفه بجعل اليوان عملة للاقتصاد العالمي، فبكين هي أكبر مصدر للسلع في العالم ، بالإضافة إلى التسويق للعملة على أنها مخزن للقيمة مع انخفاض معدلات التضخم في البلاد , أيضا أنها تدل على انطلاق عهد جديد من التعاملات في الشرق والغرب والعالم ، الذي لم يعد مكترثاً كثيراً أو عارفاً بما سيحصل لهيمنة الولايات المتحدة على السيولة العالمية وأثرها في التجارة والاستثمار العالميين ، فما زالت تحتكر نسبة (83%) من وسائل المدفوعات في العالم حالياَ ، فخطاب الرئيس الصيني ( شي جيبينغ ) يعد خطوة مهمة للترويج نحو توفير أداة نقدية اضافية الزامية مهمة في حركة نظام المدفوعات الدولية مماثلة لعملة ( اليورو والدولار والين الياباني …الخ ) ولاسيما لتوفير السيولة الدولية المتعثرة حالياً ، بسبب انكماش اقتصاد الولايات المتحدة صاحبة العملة الاولى في العالم لتيسير التجارة والاستثمار وحركة اسواق المال في العالم.
إذ يلاحظ أن وزن اليوان الصيني في سلة عملة صندوق النقد الدولي ضمن العملات الاحتياطية الدولية الرئيسية في العالم هي بنحو( 11% ) في الوقت الحاضر ، مما يتيح لليوان الصيني التداول في المدفوعات الدولية رسمياً لكونه أحد مقومات وركائز السيولة الدولية وعده عملة احتياطية وبأجنحة اقوى فاعلية خارج اوزان سلة صندوق النقد الدولي ، وهذا يعتمد على مدى استقرار وقوة الاقتصاد الصيني وتصاعد نموه وليس اعتماده على الاحتياطي الدولي الاجنبي ، كون أن الصين تحتل الاولوية في التجارة العالمية والهيمنة على اقتصاد العالم ، فاستقرار سعر صرف العملة الصينية تجاه الدولار والعملات الاخرى وقوة ونموه اقتصاده في السنوات الاخيرة سيجعل ( اليوان الصيني ) بمثابة عملة احتياطية اجنبية متقدمة وساندة للاحتياطي النقدي الرسمي العالمي ، بالتأكيد أن هذا النهج الجديد يستند إلى تكتل اقتصادي يعرف بـ ( تكتل شنغهاي ) الذي يضم (44%) من سكان البلاد .
أما بالنسبة إلى تجارة العراق وفق هذا النهج الجديد من السيولة الدولية ، فأن العراق ما زال في منطقة الدولار ، بالرغم أن نسبة (40%) من تدفقات النقد الاجنبي الداخلي هي من السوق الصينية المقومة باليوان الصيني ، وتماشياً مع هذا التغير في السيولة الدولية ، نرى انه يجب تنويع سلة احتياطيات العراق بما يخدم مصلحة البلاد التجارية ، أي أن مبيعات العراق النفطية ومشترياته من السوق الصينية والآسيوية ستكون بالعملة الصينية ( اليوان ) ، والتي ستخضع جميعها لمعادلة المدفوعات الالزامية مع الشريك التجاري الجديد (الصين ) .