مقال بعنوان الوهج الدافئ والاستثمار المسؤول اجتماعيًا

بقلم الأستاذ الدكتور علياء حسين خلف الزركوشي معاون العميد للشؤون العلمية

الاستثمار المسؤول اجتماعيًا من منظور سلوكي يُعد نهجاً استثمارياً يركز على فهم الدوافع النفسية والسلوكية وفق رؤى تدفع الأفراد والمستثمرين لدمج الاعتبارات الأخلاقية والاجتماعية والبيئية في تضمين قراراتهم الاستثمارية فضلاً عن العوائد المالية، وهذا مختلف عما يتصف بهِ التمويل التقليدي الذي يركز على العقلانية في اتخاذ القرارات لتعظيم العوائد المالية، ويُقر المنظور السلوكي بأن المستثمرين ليسوا دائمًا عقلانيين بالكامل، وأن عواطفهم وتحيزاتهم المعرفية تلعب دورًا مهمًا، ويشهد الاستثمار تحولاً جذريًا نحو الاستثمار المسؤول اجتماعيًا يُثير هذا التحول تساؤلات جوهرية حول الدوافع الحقيقية وراء سلوك المستثمرين، ويُظهر الحاجة إلى منظور سلوكي لفهم هذه الظاهرة المعقدة.

ويتأثر الاستثمار المسؤول اجتماعيًا بعدة دوافع منها القيم والمعتقدات الشخصية فنرى المستثمرون الذين يتبنون هذا النوع من الاستثمارغالبًا ما يكون لديهم شعور عالي بالقيم الأخلاقية والبيئية والاجتماعية تظهر في منظور سلوكايتهم الاستثمارية وتُمثل امتداد لطبيعتهم ومبادئهم، كما يوفر الاستثمار المسؤول اجتماعيًا شعورًا بالرضا والإنجاز للمستثمرين إذ يشعرون بأنهم يساهمون في إحداث تغيير إيجابي في العالم، وهذا الرضا قد يكون بنفس أهمية العائد المالي أو أكثر، كما يعَد هذا النوع من الاستثمار وسيلة للمستثمرين للتعبير عن هويتهم وقيمهم للمجتمع، أو للانتماء إلى مجموعة من الأفراد ذوي التفكير المماثل الذين يهتمون بالاستدامة والمسؤولية الاجتماعية.

والاستثمار المسؤول اجتماعيًا لم يعد مجرد مفهوم أخلاقي أو سلوكي وانما أصبح قوة اقتصادية متزايدة الأهمية تؤثر على الشركات والأسواق المالية، وحتى الاقتصاد الكلي، إذ يتضمن البعد الاقتصادي جوانب مختلفة تتعلق بالأداء المالي مقابل الاستثمار التقليدي وهنالك جدلاً وتساؤلاً من حيث هل يضحى المستثمرون بالعوائد المالية عندما يتبنون الاستثمار المسؤول اجتماعيًا؟ الرأي التقليدي تاريخياً، كان هناك اعتقاد بأن فرض قيود أخلاقية أو بيئية على خيارات الاستثمار (مثل استبعاد صناعات معينة) سيحد من فرص الاستثمار ويؤدي إلى أداء مالي أقل، اي المستثمرون يدفعون ثمن قيمهم، ولكن تُظهر العديد من الدراسات الحديثة أن صناديق الاستثمار المسؤولة اجتماعيًا يمكن أن تحقق أداءً ماليًا مكافئًا أو حتى أفضل من نظيراتها التقليدية، خاصة على المدى البعيد، كما قد تحقق تحسين في الكفاءة إذ يمكن للممارسات البيئية الجيدة (مثل تقليل النفايات، كفاءة الطاقة) أن تؤدي إلى توفير في التكاليف وزيادة الكفاءة التشغيلية للشركات، مما ينعكس إيجابًيا على الأرباح ، وتُسهم الشركات ذات الأداء القوي في جذب عددًا متزايدًا من المستثمرين مما يزيد من الطلب على أسهمها ويساهم في ارتفاع قيمتها، كما لها دور في الابتكار والنمو إذ غالبًا ما تكون الشركات المستدامة في طليعة الابتكار في مجالات مثل الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، مما يفتح لها أسواقًا وفرص نمو جديدة.

تأسيساً لما سبق نرى بأن دمج اعتبارات المفهوم السلوكي لا يضر بالضرورة بالأداء المالي، بل يمكن أن يعززه على المدى الطويل. هذا يدعم فكرة أن “الرضا غير النقدي” من الاستثمار الأخلاقي يمكن أن يأتي بالإضافة إلى العوائد المالية الجيدة، وليس بدلاً منها.