معنى الاصلاح في ثورة الإمام الحسين (ع)


بقلم الأستاذ محمود حسن جمعة رئيس قسم الإدارة العامة

لا يمكن عدّ الثورة الإصلاحية التي قام بها الإمام الحسين عليه السلام ثورة نوعية، بل شمولية في أصدق وصف لها، وممّا يُصدّق هذا القول المدة التي احتضنت الثورة ومهدت لها، مما أعطى الثورة بُعداً شمولياً لم يكن محصوراً في الإسلام أو العرب، بل الانتشار الواسع الذي كانت عليه الثورة، حققت هذه الشمولية التي نتحدث عنها، ثم إن ظرفها وزمن ولادتها جعلها أكثر عمقاً، فهي كانت تنمو وتتكامل منذ زمن بعيد قبل إعلانها.
لقد هبَّ على الأرض ربيعاً ثورياً غيّر كثيراً من المفاهيم، وأقلق كثيراً من الثوابت في التاريخ الحديث، إلا أن للمسألة وقفة تأريخية قديمة يشهد التاريخ بريادتها للإمام الحسين عليه السلام، تلك هي معركة الطف، فالإمام عليه السلام «إنما خرج لطلب الإصلاح في الأُمة، وهو ربيب النبوة، فسيرته في النهضة والإصلاح منهج يُقتدى، وخطابه ومواقفه تشكل معالم هادية لكل حُر غيور على مصلحة أُمته ومجتمعه».
ومن هنا كانت الثورة الحسينية، هدفها الإصلاح، فقد ظهرت ببُعد استنشق الحياة من خلال الموت، فكانت إصلاحاً للدين والأُمة. الإسلام ـ ما زال ديناً ــ لم يكن فاسداً لإجراء الإصلاح عليه من خلال الثورة التي قام بها الإمام الحسين عليه السلام، بل كانت السلطة السياسية هي من شوهت أبرز ملمح إسلامي، جاهد الرسول صلى الله عليه وآله من أجل تحقيقه في المجتمعات، وهو العدالة الاجتماعية. يقصد بالإصلاح (الفهم)، أو إصلاح الفهم، إذ يجب أن يكون فهمنا للثورة الحسينية فهماً حقيقياً لأهدافها ودوافعها، وهذا الفهم سيجعل من مفهوم الإصلاح مفهوماً واسعاً وواقعياً، وضمن أكبر وأهم الأهداف التي سعى لها الإمام في ثورته ونادى بها (تثبيت دين الله)، وليس تمرداً على السلطة، أو طمعاً بها، كما روجت له بعض الجهات، ومما يدل على ذلك أن الإمام لم يدعُ الناس لبيعته عندما خرج من المدينة ونزل مكة، بل خروجه ثورة ورفض للظلم والطغيان. وهي مسألة شرعية تتعلق بالإمام الحسين عليه السلام توجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّـهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّـهَ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ حَسِيبًا). فرسالة الله التي تُشير لها الآية الكريمة، عدم الخضوع للظلم، وتأسيس الحرية للعالم، وعدم الخضوع للظالم. من هنا نكتشف أن ثقافة الإصلاح التي قام بها الإمام الحسين عليه السلام أصبحت ثقافة عامة لكل شعب ولكل عصر، لأنها كانت ضمن ما جاء به القرآن الكريم، وبالتالي فهو الإصلاح من الملاءمة والمناسبة ما يصلح للمجتمعات الإنسانية.