الاقتصاد الإبداعي (اضاءات فكرية وابداع بشري)

 

بقلم ا.م.د علياء حسين خلف الزركوشي

يعد الاقتصاد الإبداعي مجالاً هاماً في توليد القيمة الإنتاجية وتوفير فرص العمل ، كما يُشكل محركاً تنموياً داعماً للاقتصاد ، ويستند على تحويل الأفكار الإبداعية الى مشاريع تجارية ، ويُوصف على أنه من القطاعات السريعة النمو من خلال قدرتهِ على احداث تحولات اقتصادية كبيرة ، ويقوم هذا الاقتصاد على التفاعل بين الابداع البشري والأفكار والملكية الفكرية ،المعرفة والتكنلوجيا ، ومن خصائص هذا النوع من الاقتصادات التداخل بين القطاعات التي كانت تاريخياً غير معتادة على العمل معاً، فالتعاون والتماسك الاجتماعي الذي يسمح بالانتماء الى المجتمع فضلاً عن الملكية الفكرية والحرية والاستثمار المنتظم صفة ملازمة لهذا الاقتصاد، ورغم  وجود أساسيات علمية وعالمية متفق عليها لتحفيز نمو الاقتصاد الإبداعي لكن هذه الأساسيات لا تنفي البصمة المميزة لكل بلد في موارده الابداعية وميزاتهِ التنافسية القابلة للاستثمار ، وعلينا في العراق اكتشاف مكامن القوة التي يتميز بها اقتصادنا الإبداعي ، والتوجه في رسم السياسات التي تضمن تطويره وتقويتهُ ومعالجة نقاط الضعف ،و تطوير التشريعات المتعلقة بمنظومة الملكية الفكرية ، وتصنيف المهن والوظائف العاملة في الاقتصاد الإبداعي ، وتطوير سياسات محفزة للمبدعين ، إضافة إلى وضع معايير تحدد جودة الصناعات الثقافية والإبداعية ، وقياس مؤشرات الأداء ، كخطوات ضرورية للنهوض بالاقتصاد الإبداعي في العراق.

إذ يُمثل الاقتصاد الإبداعي مفهومًا ليس مجردًا ضمن أطار نظري بل تحول إلى أرقام ملموسة تُحققها دول متقدمة، فقد أشار تقرير صادر في العام 2017 بشأن الاقتصاد الإبداعي في ألمانيا، يُشير إلى أن هذا القطاع يشكل واحدًا من القطاعات  الواعدة ذات الإمكانات الواسعة، حيث تزداد مساهمة هذا القطاع في مجمل الأداء الاقتصادي الألماني، كذلك العرب لم يكونوا بعيدين عن هذا النمط من الاقتصاد، ففي تقرير صادر عن الأمم المتحدة في العام 2010 صنفت الأمم المتحدة دولة الإمارات ضمن أفضل 10 اقتصادات تقود التحول نحو الاقتصاد الإبداعي في الاقتصادات النامية، كما يمكن الإشارة الى التقدم الذي حققته الصين على المستوى الدولي في هذا المضمار، فوفقًا لذلك التقرير فقد تفوقت الصين على كل دول العالم بفارق كبير في هذه التجارة القائمة على الإبداع، حيث استحوذت على (20,8 %) من هذه السوق، بينما  نصيب الولايات المتحدة، التي أتت في المرتبة الثانية عالميا، على( 8,6 % ).

ومن أبرز سمات هذا النوع من الاقتصاد هو أن منتجاته وخدماته تعتمد بشكل أساسي على المواهب والإبداع كمدخل رئيسي، ولذلك فمن الممكن تسمية هذا النوع من الاقتصاد بالاقتصاد الثقافي. ويُعنى هذا الاقتصاد بعدد من المجالات، مثل الفن والحرف اليدوية والتراث الثقافي والأفلام والأزياء والموسيقى والتصوير والسياحة الثقافية وألعاب الفيديو. ويمكن تبسيطه بأنه الاقتصاد الذي يهتم بتحويل الأفكار إلى سلع وخدمات ثقافية، ومكوناته بذلك تُشكّل هجينا بين الإبداع والثقافة والاقتصاد والتقنية، وقد لاقى مؤخرا دعما من عدد من المنظمات العالمية مثل الأمم المتحدة واليونيسكو وغيرهما.

إن الاقتصاد الابداعي مورد اقتصادي مهم، لا سيما في دول تفخر بمخزونها الثقافي، وبتراثها العريق والغني بالإبداعات الفكرية. وعند النظر في القيمة الواعدة لهذا الاقتصاد في العراق، فإن الفرص قد تكون غير محدودة، مع وجود الإبداع وكثرة الشباب وامتلاك مخزون مئات السنين من الإبداع الفكري والثقافي، وكل ما ينقص هو تمكين هذا الاقتصاد من خلال حماية الملكية الفكرية وخلق الأدوات التجارية التي تمكن المبدعين من تسويق إبداعاتهم الثقافية، وقد استفادت دول عدة من هذا الاقتصاد دون امتلاكها بُعدا ثقافيا تاريخيا يماثل العراق، بل بمجرد تمكين المثقفين واستثمار الأدوات الاقتصادية في تسويق إبداعات لا تقارن مع عمق إبداعات بلدنا التي قد تشكل ثروة مستدامة لهُ في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفيـة بالمساعدة في بناء مجتمعات وجماعات مُعتمِدة على ذاتها، ومن ثمّ المـساهمـة في تحقيــق السلام والتنمية.