مقالة بعنوان الاختلالات البنيوية من معالم الفشل التنموي

بقلم الأستاذ المساعد الدكتور  علياء حسين خلف الزركوشي  
       ان الاختلال البنيوي يتعلق باختلال العلاقات التناسبية المكونة للبنيان الاقتصادي ذاته ، ويبين عمق هذا الاختلال وتكراره والمدة الزمنية لاستمراره في تحديد ما إذا كان هذا الاختلال ظرفي كما يحدث في الدورات الاقتصادية أو اختلال يُصيب البنية الاقتصادية ويستمر مدة أطول مما هو عليه الحال للدورة الاقتصادية ، كما يعني اختلال في علاقات التوازن العام وكذلك في بنية الاقتصاد على مستوى يؤثر على استقرار النمو الاقتصادي لان حالة عدم التوازن عند مستوى معين تؤدي الى الأزمات الاقتصادية  ،وتواجه اقتصادات البلدان النامية اختلالات بنيوية حادة في جهازها الاقتصادي نتج عنها إبقاءها ضمن الاقتصاد الأولي، إذ لم تتمكن من التحول نحو الاقتصاد الصناعي، ونجم عن ذلك تواضع النمو الاقتصادي طويل المدى وارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع العجز في رصيد التجارة الخارجية ، وفي الموازنة العامة وبالتالي التأثر بالصدمات الاقتصادية والمالية والخارجية والتي أصبحت سمة الاقتصاد المعاصر نتيجة تعمق ظاهرة العولمة ، ويعود ذلك بشكل أساسي الى ضعف تنوع الاقتصادات لهذه البلدان عموماً ، ومحاولات الاندماج المتسرع في المنظومة الاقتصادية العالمية دون وضع الشروط المسبقة لذلك ، فضلاً عن ضعف الإنتاجية وانخفاض مستوى ونوعية رأس المال البشري وضعف الأداء الاقتصادي الامر الذي أدى الى مستوى متواضع من الصادرات السلعية والخدمية ومن احتياطات العملات الأجنبية.
ان الاختلال البنيوي يشير الى اضمحلال أو تخلخل العلاقات التناسبية المكونة للبنيان الاقتَصادي ذاته، ويبين عمق هذا الاختلال وتكراره والمدة الزمنية لاستمراره صفته، فيما لو كان ظرفياً موقتاُ كما يحدث في الدورات الاقتَصادية، أو" بنيوياً" أي عاملاً متجذراً يؤثر على استقرار النمو الاقتَصادي ويؤبد ازماتهِ المُستحكمة.  
     ونستخلص بأن اقتصادات البلدان النامية تواجه اختلالات حادة تتمثل بـ:
1- تَواضع معدلات النمو الاقتَصادي وتذبذبها.
2- تجذر ظاهرة البطالة بسبب كون الاقتصادات النامية ليستْ من النوع المولّد لفرص العمل المكافئة لمعدلات النمو السكاني المتزايدة.
3- شيوع ظاهرة التضخم في حالتي الوفرة المالية والعجز المالي، ففي الحالتين يتسبب عدم قدرة الجهاز الإنتاجي على مواكبة الطلب المتزايد في حالة الوفرة أو انخفاض قدرة الحكومة على الاستيراد في حالة العجز، باختلال التوازن بين العرض والطلب ومن ثم ارتفاع المستوى العام للأسعار.
4- العجز المستدام في موازين مدفوعات البلدان المتخلفة إذا استَبعدنا عوائد القطاع الريعي من الحساب، بسبب عدم تنوع مصادر النشاط الاقتَصادي وتدني نوعية مخرجاتهِ، مما يؤثر على قدراتهِ التنافسية في السوق الخارجية. 
ولغرض التغلب على الفائض الاقتصادي التي تَنجم عن الاختلالات الإنتاجية تلجأ هذه البلدان في الغالب الاعم الى "الاستدانة" ومع تخلف الجهاز الإداري ومحدودية القدرات الاستيعابية للتدفقات الاستثمارية بسبب انعدام أو تآكل القواعد المادية للبنى التحتية، يذهب الجزء الأكبر من تخصيصات تلك الديون الى جيوب المتنفذين أو توظيفها في مشروعات ثانوية متعثرة، فتتولد مشكلة أخرى هي كيفية سداد مستحقات الديون (الأقساط + الفوائد المترتبة عليها)، ويقع البلد المتخلف هنا في دوامة (استدامة المديونية)، أي رهن الاقتصاد للقوى المتحكمة بالقرار الاقتَصادي الدولي ( الشركات متعدية الجنسية والمؤسسات الاقتَصادية الدولية ).