مقالة بعنوان ظاهرة التضخم الحضر

 

مقالة بعنوان ظاهرة التضخم الحضر

بقلم ا.م. د علياء حسين خلف الزركوشي                                                                                         

      يُعَد التضخم الحضري مفهوم حديث التكوين نسبياً إذ ارتبط بشكل خاص بالنمو الحضري، إذ أدى إلى تحول جديد جذري في طبيعة العلاقة بين الريف والمدينة بفعل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، وأبرزها احتكار السوق وتدهور الزراعة والقضاء على الحَرف التقليدية مما أدى إلى اختلال التوازن التقليدي بين الريف والمدينة، ونتيجة التطور الاقتصادي غير المتوازن بدأ الريف يفقد ميزاتهِ بتقليص إنتاج الغذاء وتضاؤل فرص العمل وبالتالي النزوح نحو المدن، والعواصم الكبرى في بلدان العالم النامي ويطلق على تلك المدن تسمية المدن الطفيلية، لأنها تبتلع الاستثمارات وتمتص العمالة الفنية وغير الفنية، وتسيطر على الطابع الثقافي العام، كما ان لها  تأثير سلبي على تنمية المدن الأخرى، حيث أن معدلات استهلاكها مرتفعة بالمقارنة بمعدل الإنتاجية العامة فيها.

      إن المدن الكبرى بما لها من إمكانيات كبيرة اقتصادية واجتماعية وبما حققته من ارتفاع في مستوى المعيشة والخدمات تُشجع على الهجرة إليها من المدن الصغرى والريف مما يترتب عليه زيادة كبيرة مطردة تفوق مثيلاتها من المدن الأخرى، لذلك فإن هذه الزيادة الكبيرة من السكان تؤثر تأثيرا سلبيا في كيان المدينة وتكوينها الطبيعي وفي تخطيطها مهما كان هذا التخطيط ومهما كانت له من إمكانيات وقوة، ونتيجة لهذا ظهرتْ مشكلات متعددة ومتنوعة في المدينة إذ كان التضخم على حساب الرقعة الزراعية مستقطعة بذلك عنصرا مهما من عناصر الانتاج القومي للبلاد، وأصبحت تهدد البناء الحضري بصفة خاصة والبنية القومية بشكل عام على مستوى المجتمعات ،والتضخم الحضري يتصف بصفة عامة بتواجد نسبة كبيرة من السكان في القطاعات الحضرية والمدن العملاقة بصفة خاصة، هذا التواجد ولّد مشكلات في النمو الاقتصادي، لا يمكن أن يُبرر هذا النمو الكبير في عدد سكان تلك المدن أوان يتعادل مع النمو الاقتصادي (أي بمعنى وجود خلل في تركيبة النمو)، وهذا يدل على ان نسبة النمو الحضري فيها أعلى من معدلات التنمية الاقتصادية مما نتج عنها ظاهرة التضخم الحضري، ويعد ارتفاع نمو هذه المدن أسرع بكثير من قدرتها على توفير فرص عمل منتجة، وعلى سد احتياجات سكانها من الخدمات والمرافق العامة، وكان العراق في الخمسينيات من القرن الماضي يتصف بتركيبة تَطغي عليها صفة المجتمع الريفي إذ يشكل 75%  من التركيبة السكانية مجتمع ريفي و25% مجتمع حضري ، لكن اليوم الوضع مختلف تماماً بفعل الحروب ونقص المياه وتدهور الأراضي الزراعية ، وحالة النمو السكاني المتسارع ، كل هذه العوامل تفاعلت فيما بينها واسَفرتْ عن ظهور ظاهرة التضخم الحضري في العراق  وبالنظر الى الاحصائيات والمسوح للجهاز المركزي يلاحظ اليوم ان نسبة  سكان الحضر 70% بينما 30% فقط سكان الريف وهكذا فَقدا المجتمع العراقي خاصية المجتمع الزراعي ، وخسر معها صفة الاكتفاء الذاتي.